لمحة تاريخية عن ظهور علم النفس

لا يعتبر علم النفس من العلوم الحديثة والمعاصرة؛ فله امتدادٌ تاريخي ضاربٌ في القدم يعود لعصورٍ وحضاراتٍ قديمة، وفي العناوين التالية نقدم لمحة بسيطة عن التاريخ العريق لعلم النفس:


علم النفس في مصر القديمة

من أهم ما يذكر عن تاريخ علم النفس في مصر القديمة:[١][٢]

  • ترجع الجذور التاريخية لعلم النفس إلى الحضارة المصرية القديمة،[٣] ويَستند هذا الرأي على عددٍ من الأدلة، والتي من أبرزها أنّ المصريين القدماء هم أول الشعوب التي طورت نظرية تُعنى بشخصية الإنسان، والتي تمثلت في تقسيمهم لنفس الإنسان إلى خمسة أجزاء، هي: رن (Ren)، إب (Ib)، با (Ba)، كا (Ka)، شوت (Sheut).
  • يمثل "رن" الاسم الذي يُطلق على الإنسان منذ لحظة مجيئه إلى هذا العالم، ويلاصقه هذا الاسم طوال حياته، بل وتبقى ذكرى الشخص مستمرة حتى بعد موته من خلال اسمه، أما "إب" فهو القلب، الذي تتمثل أهميته في كونه منبع عواطف الإنسان ومعرفته، في حين أنّ "با" هو الجزء الظاهر من شخصية الإنسان والتي يُعرف بها، حتى بعد موته، بينما تُشير "كا" إلى طاقة الإنسان وجوهره، والتي يموت الإنسان إذا ما فارقت جسده، في حين أنّ "شوت" هو "الظل" الذي يُمثل الجزء الخفي من شخصية الإنسان.
  • بالإضافة إلى ذلك، تُعتبر بردية إبيرس (بالإنجليزية: Ebers Papyrus) أقدم مخطوطة طبية مصريةٍ قديمة، ذُكرت فيها الاضطرابات النفسية، مثل الاكتئاب والخرف، ويعود تاريخها إلى حوالي العام 1500 قبل الميلاد.
  • هناك آراءٌ تعتبر أنّ أول تجربةٍ نفسية تمّ إجراؤها كانت من قبل الفرعون بسماتيك الأول (بالإنجليزية: Psamtik I) في حوالي العام 700 قبل الميلاد؛ حيث قام بإعطاء أحد الرعاة رضيعين حديثي الولادة، وأمره أن يربيهما، ولكن دون أن يتكلم معهما أبدًا، ويقوم بملاحظة أول كلماتٍ ينطقان بها في ظل الظروف التي فرضت عليها للعيش فيها.


علم النفس عند الإغريق القدماء

وفي النقاط التالية استعراضٌ لأبرز ما يتعلق بعلم النفس في اليونان القديمة:[٤][٥]

  • مثلت دراسة الفلاسفة الإغريق القدماء للنفس الملامح الأولى لتطور علم النفس في حضارتهم، وكان من هؤلاء الفلاسفة سقراط، الذي عبر في مقولته الشهيرة "اعرف نفسك بنفسك" عن أهمية النفس ومعرفتها في تحقيق التوازن لحياة الإنسان، ثم جاء من بعده أفلاطون ليُصنف النفس تحت ثلاثة تقسيمات، تشمل كلاً من: النفس العاقلة، التي تعيش حياتها بناءً على المنطق والفضيلة، والنفس الغاضبة، التي تعيش في دوامة وسط المنطق والرغبة في اتباع الغرائز، والنفس الشهوانية، وهي النفس التي تعيش بعيدًا عن المنطق والفضيلة، وتتبع الأهواء.
  • قدمت الحضارة اليونانية القديمة مساهماتٍ عديدة في مجال علم النفس وتطوير النظريات النفسية، وكان من أول هذه المساهمات ما قام به الطبيب اليوناني أبقراط الكوسي (بالإنجليزية: Hippocrates)، الذي يُعرف بلقب "أبو الطب"، حيث عارض فكرة اعتبار أنّ الأمراض العقلية التي يتعرض لها الإنسان سببها لعنة الآلهة، وقال أنّ مثل هذه الأمراض، كمرض الصرع مثلاً، تقف وراءها أسباب جسدية.
  • عارض أبقراط أيضًا فكرة أرسطو التي تنص على أنّ القلب هو مركز العقل والفكر، واعتبر أنّ الدماغ هو المركز الحقيقي لهما، وقد لاقى رأيه هذا اعتراضًا من قبل عددٍ من الأطباء الذين أصروا على أنّ الفكر يرتبط بالقلب وشرايينه من خلال الروح، وكان من بين هؤلاء الطبيب اليوناني براكساغوراس (بالإنجليزية: Praxagoras).
  • وفي محاولةٍ للتعرف على المركز الحقيقي للتفكير والعقل، تقدم عالما التشريح اليونانيين هيروفيلوس الخلقدوني (بالإنجليزية: Herophilos) وإيراسيستراتوس (بالإنجليزية: Erasistratus) بالتماسٍ إلى حاكم الإسكندرية للحصول منه على إذنٍ لتشريح جثث عددٍ من المجرمين، وتوصلا بعد قيامهما بذلك إلى أنّ جسم الإنسان يتحكم به كلٌ من الدماغ والجهاز العصبي، وبناءً على هذا فهما مركز التفكير والعقل.


علم النفس عند العلماء المسلمين

قدم العديد من العلماء المسلمين مساهماتٍ كان لها أثرٌ بالغٌ في تطور علم النفس، وكان أبرز ما يميز أعمالهم بأنها ركزت على الروح، والعقل، والفلسفة في آنٍ واحد، ونستعرض في القائمة التالية أهم إنجازاتهم التي سجلها التاريخ:[٦][٧]

  • من أهم علماء المسلمين في مجال علم النفس "ابن سينا" الذي قام بالاستفادة من آراء وأفكار الفلاسفة الإغريق الخاصة بعلم النفس، وقام بالتعديل عليها لتصبح مناسبةً للثقافة الإسلامية، ومن أبرز أعماله قيامه بتقسيم النفس إلى ثلاثة أنواع، تشمل كلاً من النفس العقلانية، والنفس الحيوانية والنباتية؛ حيث تمثل النفس الحيوانية والنباتية علاقة الإنسان بالأرض، في حين أنّ النفس العقلانية تمثل علاقة الإنسان بالله.
  • يعتبر الرازي من العلماء المسلمين الآخرين الذين أسسوا بعض القواعد المهمة الخاصة بعلم النفس؛ فقد تطرق لموضوع أخلاقيات العلاج، الذي ظهر لاحقًا في القرن العشرين في علم النفس السلوكي، كما ألف كتاب "طب الفنون"، وتطرق فيه لبعض الحالات النفسية، واقترح علاجًا لها.
  • أما نجيب الدين السمرقندي، فقد كان طبيبًا ذا أصولٍ فارسية، وكان من أهم إنجازاته ما دونه عن الأمراض العقلية والاضطرابات النفسية، اعتمادًا على الملاحظة، وقد سار على خطاه في هذا النهج عددٌ من العلماء المهتمين بعلم النفس، ومن بين الحالات التي كتب عنها السمرقندي: الضعف الجنسي، والاكتئاب، ووهام الاضطهاد، واضطراب العصاب الوسواسي، وجنون الارتياب.
  • من جهةٍ أخرى، سار ابن خلدون على نفس نهج أرسطو وابن سينا في موضوع اعتبارهم أنّ التعليم والخبرة الحياتية هما ما يكونان سلوك الإنسان، وأنّ الإنسان يولد بعقلٍ طاهرٍ من أي توجهٍ سلوكي؛ أي أنه يشبه اللوح الفارغ، أو الصفحة البيضاء، بالإضافة إلى ذلك، صرح ابن خلدون من خلال بعض آرائه بأن شخصية الإنسان تتشكل من خلال ما يتعرض له في البيئة المحيطة التي يعيش فيها ويتفاعل معها.


المراجع

  1. "How did Ancient Egyptians Conceptualize the Human Mind?", medium, Retrieved 31/8/2022. Edited.
  2. 11K views-,Ancient Egypt,conditions like dementia and depression.&text=Around 700 BCE, The Pharaoh,to ever perform psychological experiments. "Psychology in Ancient History: Major Developments & Contributions", study, Retrieved 31/8/2022. Edited.
  3. "History & Evolution of Psychology", psyking, Retrieved 31/8/2022. Edited.
  4. History of Psychology and Ancient Greek Medicine&text=The development of Ancient Greek,reasons underlying many mental ailments. "Aristotle's Psychology", explorable, Retrieved 31/8/2022. Edited.
  5. "لمحة تاريخية عن ظهور علم النفس وتطوره"، جامعة محمد لمين دباغين سطيف ، اطّلع عليه بتاريخ 31/8/2022. بتصرّف.
  6. "Islamic Psychology", explorable, Retrieved 31/8/2022. Edited.
  7. "علم النفس عند علماء المسلمين"، صحيفة الخليج الإماراتية، اطّلع عليه بتاريخ 31/8/2022. بتصرّف.