مفهوم التقمص في علم النفس
التقمُّص -أو التّماهي أو التوحّد- هو حيلةٌ لا شعوريَّةٌ يلجأ فيها الشّخص -عن قصد أو غير قصد- إلى محاكاة خصائص وسمات شخص آخر، بحيث تُصبِح أصيلةً في نفسِه وفي تكوينِه العاطفيّ والاجتماعيّ والعقليّ، إذ يتحوّل الشّخص المتقمّص بشكلٍ جزئيّ أو كليّ إلى نموذجِ ذلك الشّخص، فيُحاكيهِ تلقائيًّا في تصرّفاته وأقواله وردّات فعلِه ورغباته وتوجّهاته،[١] ويرى علماء النّفس أنّ التقمص يحدث عامَّةً للتخفّف من حزن أو إحباط أو قلق أو هاجسٍ ما.[٢]
نشأة مصطلح التقمص في علم النفس
طرح سيجموند فرويد -مؤسّس علم النفس الحديث- مصطلح التقمّص أوّل مرّة في أواخر القرن التّاسع عشر قبل الميلاد في رسائلة إلى فليس، تحديدًا في سياقِ حديثِه عن الأعراض النّاتجة عن عمليّة التقمّص، إذ يقول: "فهو الذي يُمَكِّن المرضى من أن يعبّروا بأعراضِهم ليس مِن خبراتهم فقط، بل عن خبرات عدد كبير من الناس فوق ذلك، حتى كأنّهم يتألمون نيابة عن جمهور بأكمله من الناس، ويملؤون بمفردهم أدوارَ الرّواية جميعها".[٣]
ويُعرّف فرويد التقمّص في كتابه علم نفس الجماهير وتحليل الأنا كالآتي: "التقمّص هو الظاهرة الأولى لتعلُّقٍ وجدانيّ بشخص آخر، ويلعب هذا التقمّص دورًا مهمًّا في عقدة أوديب".[٤]
وقد عُرِّف التّقمص في معجم التّحليل النّفسي بأنّه عمليّة بناء الأنا، وعمليّة تعويض ناتجة عن فقدان الشخصيّة سمة معيّنة، فهو بذلك يعدّ سيرورةً نفسيّة لا شعوريَّةً مستمرّة لدى الفرد المتقمّص.[٥]
أسباب التقمص في علم النفس
من أسباب التقمُّص في علم النّفس ما يأتي:[١]
- رغبة الفرد في الانتقال من الذاتيّة إلى الموضوعيّة؛ أيْ بين الأنا وغير الأنا.
- اعتباره حيلةً غير سويّة في حال كانت شخصيّة الفرد غير متكاملة.
- تحقيق رغبات شخصيّة مفقودة لدى الشخص المتقَمِّص.
مصادر التقمص في علم النفس
يرى فرويد أن هناكَ ثلاثةَ مصادر للتقمّص، هي:
- الأوّل: تتعلّق الأنا بدايةً بشكلٍ عاطفيّ بالوالدين، وترتبط ارتباطًا وجدانيًّا بموضوع الحبّ -الأم والأب- فتتشبّه بهما، وتتخذهما مثالًا وقدوة.[٦]
- الثّاني: يحدث نتيجة النّكوص أو الارتداد إلى الموضوعات الأولى للبيدو، وتُسمّى هذه الحالة في التحليل النفسيّ باسم "نكوص اللبيدو".[٧]
- الثّالث: يحدث نتيجة عدم وجود نكوص لبيديّ أو ارتباط عاطفيّ اتّجاه الشخص المتقمَّص.[٦]
أنواع التقمص في علم النفس
للتّقمص نوعان لدى فرويد، هما: الهستيريّ والنرجسيّ.
التقمص الهستيري
وهو عمليّة سيكولوجيّة ينقل فيها الشخص المتقمِّص سمات شخص آخر إلى أناه ليندمج معها، فيصبح كأنّه يتحدّث بلسان الشخصيَّة المتقَمَّصَة لا بلسانِه هو وهويّته هو، فيتماهى مع خبراتها وتصبح جزءًا من خبراته.[٣]
التقمص النرجسي
يحدث هذا النّوع من التقمّص نتيجةَ فقدان الشخص المتقمِّص قيمةً ما أو سِمَةً ما، أو فقدانِه اعتبارَها في نفسِه، لذا فإنّه يبحثُ عن هذا الشيء المفقود في الشخصية التي يتقمَّصُها؛ ويتماهى معها داخل أناه، لتصبحَ جزءًا متأصِّلًا في تكوينِه النفسيّ؛ وبذلك يُعَوِّض ما لديهِ مِن نقصٍ وفَقد.[٣]
المراجع
- ^ أ ب كامل محمد عويضة، علم النفس الاجتماعي، صفحة 79. بتصرّف.
- ↑ فاطمة النوايسة، أساسيات علم النفس، صفحة 317. بتصرّف.
- ^ أ ب ت محمد سمير، نوعية التقمصات لدى المراهق المدمن، صفحة 21. بتصرّف.
- ↑ محمد سمير، نوعية التقمصات لدى المراهق المدمن، صفحة 22. بتصرّف.
- ↑ محمد سمير، نوعية التقمصات لدى المراهق المدمن، صفحة 23. بتصرّف.
- ^ أ ب محمد سمير، نوعية التقمصات لدى المراهق المدمن، صفحة 25. بتصرّف.
- ↑ كامل محمد عويضة، مبادئ الطب النفسي، صفحة 85. بتصرّف.