يُعرّف علم النفس الاجتماعي بأنه دراسة كيفية تأثر سلوك الفرد أو مجموعة من الأفراد بحضور أفراد أو مجموعات أخرى، ويمكن القول أن المختصون بهذا العلم يبحثون بشكل أساسي عن إجابات لأسئلة عديدة أهمها: كيف ولماذا تتأثر تصورات الناس وأفعالهم بالمثيرات الاجتماعية مثل التفاعل الاجتماعي؟ وكيف يغير الناس آرائهم وتصوراتهم بناء على الاختلاط الاجتماعي؟ وهل يعتبر سلوك الفرد مقياسًا دقيقًا لشخصيته؟ وكيف تتشكل المواقف الاجتماعية السلبية مثل التعصب؟ ولكن قبل الحديث أكثر عن هذا العلم، هل سبق أن سألت نفسك لماذا تتغير تصرفاتك مع الأشخاص الذين تعرفهم عن تصرفاتك مع الغرباء![١]
تعريف بعلم النفس الاجتماعي
هو أحد فروع علم النفس، ويختص بدراسة السلوك الاجتماعي للفرد والجماعة، والاستجابة للتفاعلات الاجتماعية، ويعد الهدف من هذا العلم بناء مجتمع أفضل، يقوم على فهم سلوك الأفراد والجماعات، وبمعنى آخر فإن علم النفس الاجتماعي هو عبارة عن الدراسة العلمية للإنسان بكونه كائن اجتماعي. ويهتم هذا العلم بالخصائص النفسية للمجموعات، وأنماط التفاعل الاجتماعي بينها، والتأثيرات التبادلية التي تجري بين الأفراد، كالعلاقة بين الآباء وأبنائهم ضمن الأسرة، أو التفاعل بين المعلمين وتلاميذهم.[٢]
كيف بدأ علم النفس الاجتماعي؟
أصبح علم النفس الاجتماعي علمًا رسميًا ومستقلًا مع بدء القرن العشرين، وكانت بداياته عندما قام الباحث في علم النفس "نورمان تريبلت" من جامعة إنديانا عام 1898 بعمل دراسة تناول فيها سبب تحقيق دراجين لأرقام أفضل عندما تنافسوا بشكل مباشر عما سجلوه أثناء عمل التجارب الفردية دون منافسة. تلاها دراسات شبيهة أخرى تناولت البحث في أسباب تألق بعض الفنانين والممثلين أمام الجمهور أكثر من التأدية دون جمهور، وكيف يتعثر البعض الآخر في نفس الموقف. ولاحقًا، أجرى الباحثون دراسات حول تأثير البروياغندا على سلوك السكان ككل.[١]
ما الفرق بين علم النفس الاجتماعي وعلم الاجتماع؟
قد يختلط على البعض مفهوم علم النفس الاجتماعي ومفهوم علم الاجتماع، وهذا أمر مبرر نسبيًا، فكلا المجالان يهتمان أساسا بالطريقة التي يتشكل بها السلوك البشري، ولكن الفرق الأساسي بين العلمين هو أن علماء النفس الاجتماعي يدرسون الأفراد داخل مجموعة، بينما يدرس علماء الاجتماع الناس كمجموعات بصفة الوحدة الواحدة.
وفي مرحلة بدء تشكل المجالين، وبلوغهما مرحلة النضج الأكاديمي، وتحديدًا في عام 1924، سعى الباحث في جامعة ميسوري "تشارلز إيه.إلوود" إلى تبسيط الاختلاف بين الاثنين، فقال أن علم الاجتماع هو "علم أصل المجموعات وتطورها وبنيتها وعملها" أما علم النفس الاجتماعي فهو "دراسة الأصول النفسية الفردية المشاركة في تطوير وبناء وعمل المجموعات الاجتماعية".[١]
محاور علم النفس الاجتماعي
تطرقت أبحاث علم النفس الاجتماعي إلى كل جانب تقريبا من جوانب شخصية الإنسان في محاولة لفهم التأثير النفسي للإدراك والتفاعل البشري. وتضم المحاور التي يتناولها علماء النفس الاجتماعي ما يلي:
القيادة: ما هي السمات التي تحدد شخصية القائد؟ ما هو دور القائد داخل المجموعة؟ كيف يمارس القائد تأثيره على الجماعات والأفراد؟
العدوان: كيف يتم تعريف السلوك العدواني؟ ما الذي يحفز هذا السلوك العدواني؟ ما الدور الذي يلعبه العدوان في الحفاظ على الذات؟
الإدراك الاجتماعي: كيف يطور الفرد تصوره لذاته؟ كيف تؤثر العوامل البيئية على تصور الذات؟ ما هو الفرق بين الذات الوجودية والذات الفئوية؟
سلوك المجموعة: ما هي الخصائص التي تشترك فيها المجموعات؟ كم عدد الأشخاص الذين يشكلون مجموعة واحدة؟ ما الذي يجدد هيكل المجموعة؟ لماذا ينجذب الفرد إلى مجموعة معينة؟
السلوك غير اللفظي: ما هي الأفعال غير اللغوية التي تنقل الفكر؟ كيف يتم تطوير وتفسير الإشارات غير اللفظية؟ ما هي المشاعر التي تنقلها تعابير الوجه وإيماءات اليد والسلوك غير اللفظي؟
المطابقة: ما الذي يدفع الأفراد إلى تغيير تصوراتهم لتتناسب مع مجموعة أو شخص آخر؟ كيف يقرر الفرد قبول التأثير من مجموعة أخرى؟ ما هو الفرق بين المطابقة الخارجية والمطابقة الداخلية؟
التحيز: ما الذي يجعل شخصًا ما متحيزا ضد عضو في مجموعة اجتماعية مختلفة؟ ما هو الفرق بين التحيز والتمييز؟ كيف تستخدم القوالب النمطية لبناء الإدراك؟
آليات الدراسة في علم النفس الاجتماعي
تعتبر ألية الدراسة المجراة على المتطوعين غير ذات فائدة مطلقة، فهي تخلو من السياق الاجتماعي المطلوب لفهم السلوك الفردي، كما أنها تعتبر غير دققيقة من حيث النتائج نظرًا لأن الباحثين نفسهم قد يكونوا متحيزين لمجموعة معينة، مما قد يؤثر على النتائج. فيميل الدارسون في هذا المجال للخروج إلى أماكن ذات سياقات اجتماعية خارجية لإجراء دراسات ميدانية، إلا أن البعض اعتبر أن الدراسة الميدانية قد تظل دراسة تجريبية لا أكثر، لذا خلص الأمر إلى أن الطريقة الأنجع هي تعزيز كل نهج دراسي بطرق من النهج الآخر.
ويتم أحيانًا جمع المعلومات اللازمة للدراسة من خلال توفير مركز متخصص لدراسة علم النفس الاجتماعي في العديد من الكليات والجامعات، ويكون هذا المركز مجهزًا بغرف مراقبة تسمح برؤية أحادية الاتجاه للتفاعلات الاجتماعية، ومزودة بمسجلات الصوت والفيديو والأجهزة الأخرى التي ترصد التفاعل الاجتماعي المستمر، ويمكن استخدام أجهزة الحاسوب وغيرها من التقنيات من أجل جمع المعلومات وملاحظتها وإجراء دراسات المطلوبة.[٣]
أشهر علماء علم النفس الاجتماعي
برع عدد من العلماء والباحثين في سياق علم النفس الاجتماعي، وفي ما يلي ذكر لعدد منهم:[٤]
فلويد هنري: يعرف بأنه من أسس علم النفس الاجتماعي كتخصص علمي.
مظفر شريف: هو صاحب تجربة كهف اللصوص، والتي تم من خلالها تقسيم مجموعة من الكشافة إلى مجموعتين، من أجل كشف مدى التحيز داخل المجموعات الاجتماعية، وقد بينت التجربة نظرية واقعية للصراع الجماعي.
توماس هوبز: وهو واحد من أهم فلاسفة الغرب الذين شرحوا طبيعة الفرد وعلاقته مع الآخرين، وبين أن كل الأفراد متساوون في الطبيعة، وأنهم ليس لديهم رغبة في التجمع بهدف المساعدة المشتركة، بل هم في سعي مستمر لتدمير بعضهم البعض.
كيرت ليفين: يعرف بأنه مؤسس علم النفس الاجتماعي الحديث. درس ليفين مفهوم المسافة الاجتماعية، وقام بصياغة نظرية المجال، وتوضح نظرياته أنه من المستحيل التعرّف على سلوك البشر وهم خارج بيئاتهم الخاصة.
ستانلي ميلجرام: وهو عالم نفس اجتماعي أمريكي، قدم دراسات متنوعة و مقالات تم افتباسها بشكل كبير جدا. ومن أهمها البحث الذي قدمه في مجال الانصياع للسلطات، وتجربته التي تدعى العالم الصغير، ومبدأ ست درجات من التباعد.
سيرج موسكوفيتشي: درس موسكوفيتشي التمثيلات الاجتماعية، وهي الطريقة التي تتم إعادة صياغة المعرفة بها عندما تستولي عليها المجموعات، وبالتالي تشوه شكلها الأصلي. درس سيرج أيضا تأثير الأقليات على المجتمع.
ألبرت باندورا: أثبت أن مشاهد العنف في وسائل الإعلام تشجع على السلوك العدواني بين الأفراد الذين يشاهدون هذا السلوك، وهو أيضا مبتكر نظرية الكفاءة الذاتية.
تجارب في علم النفس الإجتماعي
فيما يلي ذكر لتجربتين شهيرتين في مجال علم النفس الاجتماعي، تبينان تأثير المواقف والمجموعات المحيطة بالفرد على قراراته وردات فعله:[٥]
تجربة سجن ستانفورد
في مطلع سبعينيات القرن الماضي، أجرى "فيليب زيمباردو" تجربة اعتبرت من أكثر التجارب إثارة للجدل في هذا المجال، إذ أنشأ سجنا مزيفا في قبو قسم علم النفس في جامعة ستانفورد، وقام بتجنيد المشاركين للعب دور السجناء ومأموري السجن، وكان الغرض من هذه الدراسة هو ملاحظة تأثير السجن على سلوك الفرد.
كان من المقرر لهذه الدراسة "الحبس" أن تستمر لمدة أسبوعين، إلا أنها توقفت باليوم السادس فقط. حيث أصبح المشاركون منغمسين في أدوارهم الافتراضية بشكل مبالغ فيه، فأصبح الحراس يسيئون معاملة المساجين، وأصيب السجناء بالقلق والاكتئاب والاضطراب العاطفي. ومنذ ذلك الوقت، أصبحت هذه الدراسة مرجعا ودليلا على تأثر سلوك الأشخاص بالمواقف.
تجارب سولومون آش للامتثال
أجرى العالم سولومون آش مجموعة تجارب في خمسينيات القرن الماضي، أطلق عليها اسم تجارب آش للامتثال، وهي تبين كيفية تأثر رأي الفرد – حتى لو كان على صواب – برأي المجموعة المحيطة – حتى لم كانوا على خطأ.
فقام آش بعمل اختبارات تتضمن أسئلة سهلة الإجابة، يعتمد بعضها على الملاحظة البصرية لا أكثر، وطلب من مجموعة أن تقدم أجابات خاطئة علي هذه الأسئلة – بالاتفاق – باستثناء شخص واحد هو محور الدراسة، فيجيب الأخير بإجابات خاطئة على هذه الأسئلة البسيطة لأنه لاحظ اجماع البقية على الإجابة الخاطئة.
المراجع
- ^ أ ب ت "What Is Social Psychology? Definition, Key Terms, and Examples", maryville.edu, Retrieved 21/12/2021. Edited.
- ↑ "علم النفس الاجتماعي"، المعرفة، اطّلع عليه بتاريخ 21/12/2021. بتصرّف.
- ↑ "social psychology", britannica, Retrieved 21/12/2021. Edited.
- ↑ "Social Psychology - What is it and Why is it So Important?", exploringyourmind, 13/08/2019, Retrieved 21/12/2021. Edited.
- ↑ Kendra Cherry (14/12/2020), "The Most Famous Social Psychology Experiments Ever Performed", verywellmind, Retrieved 21/12/2021. Edited.